على الرغم من الرهانات الكثيرة التي وضعت على الدورين الفرنسي والقطري، في الأيام الماضية، بالنسبة إلى الإستحقاق الرئاسي، إلا أن أيًّا منهما لم ينجح في تحقيق الخرق المنتظر، حيث لا تزال الأمور تدور في مربع إصرار قوى الثامن من آذار على ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، مقابل رفض العديد من القوى الأخرى له، لكن مع تنوع في الأسباب التي تقودها إلى ذلك.

بين الدوحة وباريس، عمل مشترك أساسي، تَظَهَّر بشكل واضح، بعد إجتماع اللجنة الخماسيّة في نيويورك، هو تبني ما بات يُعرف بالخيار الثالث، الأمر الذي لا تعارضه قوى المعارضة و"التيار الوطني الحر"، على إعتبار أن ذلك يقود إلى إستبعاد فرنجية من دائرة المنافسين، على عكس ما هو حال قوى الثامن من آذار، التي لا تزال تعتبر أن ليس هناك ما يستدعي منها التخلي عن ترشيح فرنجيّة في الوقت الراهن.

في هذا السياق، تؤكد مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، أن أصل المشكلة يكمن بأن الخيار الثالث يصور على أساس أنه هزيمة للفريق الداعم لترشيح رئيس تيار "المردة"، نظراً إلى أن هذه هي المعادلة المطروحة منذ ما قبل دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسي، في حين أن وصوله، من وجهة نظر معارضيها، سيمثل إنتصاراً للفريق الآخر، ما يتطلب البحث عن معادلة جديدة، يكون عنوانها نظرية "لا غالب ولا مغلوب" المشهورة لبنانياً.

في الموازاة، تلفت المصادر نفسها إلى مشكلة أخرى، تكمن بأن الجهود الدولية الحالية، إلى جانب الطروحات التي تنتج عنها، هي في الأصل تمثل محوراً واحداً، حيث يغيب فريق أساسي مؤثر في المعادلة اللبنانية عنها هو الجانب الإيراني، في حين لا يمكن تصور إمكانية الوصول إلى تسوية من دون الحوار مع طهران، التي يمثل حلفاؤها المحليون كتلة وازنة داخل المجلس النيابي، هي الأكبر من حيث الصلابة في الموقف وعدم القدرة على الإختراق.

ما تقدم، في ظل إنعدام فرص الوصول إلى تسوية داخلية، يعني أن الفراغ الرئاسي الحالي من المتوقع أن يستمر طويلاً، إلا بحال حصلت تحوّلات، على المستوى المحلي أو الخارجي، لم تظهر أي معالم لها حتى الآن، بل على العكس من ذلك من الممكن الحديث عن حالة من الغموض، حيث تتبدل المعطيات بين يوم وآخر.

في هذا الإطار، تجدد أوساط سياسية التأكيد، عبر "النشرة"، أن الأصل هو المواقف الأميركية والسعودية والإيرانية، أما دور باقي اللاعبين فهو ينحصر في إطار السعي إلى المساعدة أو تسهيل الأمور، وطالما لم يظهر أي تحول في المشهد بين الثلاثي المذكور، لا يمكن الحديث عن أي تسوية قريبة، ما يبرر حالة التصلب في مواقف الأفرقاء اللبنانيين، لا بل حتى عدم التردد في إنتقاد المبادرات الحالية، الفرنسية أو القطرية، أو التقليل من أهمية النتائج التي من الممكن أن تصل إليها.

في الوقت الراهن، لا يبدو أن أياً من أفرقاء هذا الثلاثي في وارد التنازل، بحسب ما ترى هذه الأوساط، الأمر الذي يدفعهم إلى الإبتعاد عن الحضور المباشر وترك المهمة إلى آخرين، لكن مع التشدد في الشروط التي تمنع الوصول إلى تسوية، على قاعدة أن هذا الإبتعاد لا يعني عدم الإهتمام بل أن المطروح غير مناسب، وبالتالي من الأفضل الإنتظار لظروف أفضل، بالتزامن مع ممارسة لعبة عض الأصابع.

في المحصلة، تلفت الأوساط نفسها إلى أن ما ينبغي التوقف عنده، هو أن هذه اللعبة تخاض ضمن خطوط حمراء، يتفق الجميع على عدم القدرة على تجاوزها، قناعة منهم بأن التداعيات ستكون خطيرة، وفي الوقت الفاصل من الممكن طرح مجموعة واسعة من السيناريوهات، لكن في النتيجة العملية لا حل إلا بتسوية لم تنضج ظروفها بعد.